العقبات والتحديات تواجه الاتفاق النووي الإيراني- نظرة على المفاوضات والأطراف المعنية

المؤلف: د. عماد آبشناس09.04.2025
العقبات والتحديات تواجه الاتفاق النووي الإيراني- نظرة على المفاوضات والأطراف المعنية

على الرغم من الصورة الوردية التي يسعى كل من إيران والولايات المتحدة لإظهارها أمام وسائل الإعلام، إلا أنه بعد خوض ثلاث جولات من المحادثات المضنية، وتأجيل الجولة الرابعة، يتبين أن هناك عراقيل جمة ما زالت تعترض طريق التوصل إلى اتفاق مُرضٍ لكلا الطرفين.

الواقع يشير إلى أن خصوم الاتفاق المحتمل بين إيران والولايات المتحدة لا يقلون بأي حال من الأحوال قوة ونفوذًا عن مؤيديه. وعلى رأس قائمة هؤلاء المعارضين تقف إسرائيل، التي تسعى جاهدة لجر الولايات المتحدة إلى حرب ضروس مع إيران، حتى آخر جندي أميركي، خدمة لأجندة بنيامين نتنياهو، الذي يبدو أنه يقتات على إشعال الفتن في الإقليم للبقاء في السلطة.

إن التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي السابق، ترامب، بشأن عدم الوقوع في فخ نتنياهو واستدراج الولايات المتحدة لمحاربة إيران، تندرج في هذا السياق، وتدلل على حجم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الرئيس الأميركي من قبل اللوبي الصهيوني النافذ في الولايات المتحدة، والذي يسعى لإشعال فتيل حرب مع إيران خدمة لمصالح نتنياهو، وعرقلة مسار المفاوضات.

وكما صرّح نتنياهو بكل وضوح في الأسبوع الفائت: "إن إسرائيل تطمح إلى الهيمنة العسكرية المطلقة على منطقة الشرق الأوسط"، وتنظر إلى إيران باعتبارها العقبة الوحيدة التي تعترض هذا الحلم الصهيوني الجامح.

واستنادًا إلى تصريحاته العلنية في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض وأمام وسائل الإعلام، يضغط نتنياهو على الإدارة الأميركية لتطبيق "السيناريو الليبي" على إيران، وهو ما يعني تجريد إيران من كافة قدراتها الدفاعية، وتحويلها إلى هدف سهل للهجوم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.

ولم يكتفِ نتنياهو بهذا القدر، بل تجرأ على تهديد إيران بشن هجوم نووي عليها من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عامين. وعلى الرغم من أن مكتب نتنياهو زعم لاحقًا أن هذا التصريح كان مجرد زلة لسان، إلا أن الإيرانيين لا يصدقون هذه الذريعة الواهية، خاصة وأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في المنطقة، وما ارتكبته من فظائع في غزة ولبنان، وصمت المجتمع الدولي المطبق على جرائمها وانتهاكاتها الصارخة للقوانين الدولية، يثير مخاوف جدية من أن نتنياهو قد يتشجع على قصف إيران أو أي دولة أخرى في المنطقة بالأسلحة النووية، دون أن يخشى أي محاسبة أو عقاب على هذه الجريمة النكراء.

وبناءً على ما تقدم، فإن إيران ترفض رفضًا قاطعًا مناقشة أي موضوع يتعلق ببرامجها الدفاعية أو بعلاقاتها مع حلفائها في المنطقة، باعتبار أن هذين الملفين يشكلان الرادع الوحيد في وجه أي تهديد أميركي أو إسرائيلي، سواء كان مشتركًا أو منفردًا.

لم يعد سرًا أن إيران قد تجاوزت بالفعل العتبة النووية، وباتت تمتلك التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لتصنيع الأسلحة النووية في غضون فترة وجيزة لا تتعدى أيامًا معدودة أو أسابيع قليلة. ومع ذلك، فإن القرار السياسي في إيران يرتكز على الاكتفاء بالوصول إلى هذه المرحلة من القدرات كافيًا لردع أي عدوان محتمل.

يكمن جوهر هذا القرار في قناعة القيادة الإيرانية بأن هذا المستوى من القدرات يشكل رادعًا كافيًا لإثناء إسرائيل أو الولايات المتحدة عن مهاجمة إيران بأسلحة نووية أو غير تقليدية، وذلك لعلمهما التام بالتطور التكنولوجي الهائل الذي حققه الإيرانيون، وأن أي هجوم يستهدف وجود إيران قد يدفعها إلى تغيير سياستها النووية وتبني قرار تصنيع السلاح النووي لضمان بقائها.

وقد ورد هذا الموقف على لسان العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم كمال خرازي، رئيس لجنة السياسة الخارجية في مكتب المرشد الإيراني، في مقابلة مع قناة الجزيرة، وعلي لاريجاني، المستشار السياسي للمرشد، خلال مقابلة متلفزة مع التلفزيون الرسمي الإيراني.

وعليه، فإن إيران تتمسك ببرنامجها النووي، وترفض التخلي عنه أو حتى تقييده، ما لم تتلق ضمانات قوية تكفل لها وللمنطقة بأسرها الحماية من إسرائيل ومخططاتها التوسعية للسيطرة العسكرية على المنطقة.

وأقل ما تطالب به إيران هو أن تقوم الولايات المتحدة بإجبار إسرائيل على التخلي عن ترسانتها النووية والانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتطبيق نفس معايير التفتيش الصارمة التي تطالب بها إيران.

وفي الواقع العملي، يمكن القول إن معظم دول المنطقة تتفق مع إيران في هذا المطلب الجوهري.

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة جاهدة للتوصل إلى اتفاق سريع يمكّن الرئيس الأميركي من التباهي به دون تقديم تنازلات جوهرية، وتأجيل القضايا الخلافية إلى وقت لاحق، بينما تطمح إيران إلى اتفاق شامل يؤدي إلى رفع العقوبات بشكل كامل وضمان أمنها القومي.

تكمن المشكلة الرئيسية في المفاوضات بين الجانبين في هذه النقطة تحديدًا، حيث لم تقدم الولايات المتحدة أي عرض ملموس بشأن مطالب إيران برفع العقوبات، وضمان عدم تراجع واشنطن عن أي اتفاق مستقبلي، أو التزامها بتنفيذ تعهداتها.

تجدر الإشارة إلى أن المفاوضات لم تبدأ بالجولة الأولى المعلنة في مسقط، بل سبقتها مفاوضات سرية منذ عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.

وخلال تلك المفاوضات، عرض الأميركيون السماح لشركاتهم العملاقة بالدخول إلى السوق الإيرانية والاستثمار في المشاريع الاقتصادية الضخمة كضمانة لعدم انسحاب أي إدارة مستقبلية من الاتفاق، نظرًا للنفوذ الكبير الذي تتمتع به هذه الشركات داخل الكونغرس.

كما طرح الجانب الأميركي اقتراحًا جديدًا يقضي بتحويل أي اتفاق إلى معاهدة سلام يتم توقيعها من قبل رؤساء الدول وتصديقها من قبل برلمانات البلدين (الكونغرس الأميركي ومجلس الشورى الإسلامي الإيراني). إلا أن الأميركيين اشترطوا إتمام الاتفاق قبل الانتخابات النصفية للكونغرس، معتقدين أن ترامب يستطيع تمريره حاليًا، لكن التغييرات السياسية التي قد تحدث بعد الانتخابات قد تعرقل ذلك.

ومع ذلك، يرى الإيرانيون أن هذه المقترحات مجرد وعود شفهية وغير كافية، بينما تصر الولايات المتحدة على مطالب ملموسة وعملية فيما يتعلق بتقليص البرنامج النووي الإيراني.

وفي الجولة الثالثة من المفاوضات، اجتمع الخبراء الأميركيون والإيرانيون لمناقشة مطالب الولايات المتحدة بشأن ما يضمن لها سلمية البرنامج النووي الإيراني، وقدم الأميركيون في هذا الصدد عدة مطالب رئيسية، كان أهمها:

  1. أن توقف إيران تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، وتستورد اليورانيوم الذي تحتاجه لبرنامجها النووي من الخارج، مع ضمانات بأن تقوم روسيا بتوفير اليورانيوم الذي تحتاجه إيران لبرنامجها النووي. وقد رفض الجانب الإيراني هذا المطلب بشدة، معتبرًا أنه يسلب إيران حقوقها المشروعة دوليًا.
  2. أن تسمح إيران لمفتشين أميركيين بتفتيش المنشآت الإيرانية المشكوك فيها. وكان الموقف الإيراني هو أنه يمكن السماح للأميركيين بالمشاركة في فرق تفتيش المنظمة الدولية للطاقة الذرية، شريطة أن يقتصر التفتيش على المنشآت النووية فقط.
  3. إصرار الأميركيين على التأكد من أن إيران لا تقوم بتصنيع صواريخ بالستية بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية، وعلى هذا الأساس، طالبوا بتفتيش بعض المنشآت العسكرية الإيرانية، وهو الأمر الذي قوبل برفض قاطع من الجانب الإيراني، الذي هدد بوقف المفاوضات إذا ما طرح الأميركيون هذا الموضوع مرة أخرى. ووفقًا لما تسرب عن الجولة الثالثة من المفاوضات، فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني أنه لن يستمر في المفاوضات، وسوف ينسحب الوفد الإيراني، وتوقفت المفاوضات لمدة ساعتين، حتى تدخل وزير الخارجية العُمانية، وسحب الأميركي هذا الطلب، وتعهد بعدم طرحه مرة أخرى وفقًا للشروط المتفق عليها قبل بدء المفاوضات.
  4. إخراج اليورانيوم المخصب بنسب تزيد على 3.67% من إيران إلى روسيا، أو تخفيفه وتحويله إلى قضبان نووية لا يمكن استخدامها لصناعة الأسلحة. وقد ردت إيران بأنه ما دامت لا تتلقى أي ضمانات عملية من الجانب الأميركي، فإنها تريد الإبقاء على هذا اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية تحت إشراف المنظمة الدولية للطاقة الذرية، مع اشتراط الحصول على تعهد خطي بالسماح لها بإخراج هذا اليورانيوم والاستفادة منه إذا ما نكثت الولايات المتحدة بأي من تعهداتها في الاتفاق أو انسحبت منه.
  5. استثمار الشركات الأميركية في المشاريع النووية الإيرانية لضمان إشراف الولايات المتحدة الكامل على هذا البرنامج. ويبدو أن إيران لا تمانع في هذا الأمر، وهي مستعدة لمنح الشركات الأميركية عددًا من المشاريع، إما بشكل كامل أو في صورة أسهم في شركات مشتركة يتم تأسيسها من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى. وقد صرح وزير الخارجية الإيراني رسميًا بأن إيران ترغب في إنشاء 19 محطة نووية جديدة، ويمكن للولايات المتحدة المشاركة في تأسيس أي من هذه المشاريع.
  6. أن يكون الاتفاق دون إطار زمني محدد، على عكس الاتفاق النووي السابق الذي كان محدودًا بفترة زمنية معينة.

أما المطالب الإيرانية، فهي:

  1. رفع العقوبات الأميركية بشكل كامل، على أن تكون الخطوة الأولى هي رفع جميع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بعد خروجها من الاتفاق النووي، بمجرد التوقيع على اتفاق جديد، مع ضمان عدم عودة هذه العقوبات تحت مسميات أخرى.
  2. ضمان تنفيذ الولايات المتحدة لجميع تعهداتها في أي اتفاق يتم التوصل إليه، وأن يتم تضمين بنود واضحة لتغريم الولايات المتحدة، والسماح لإيران بوقف تنفيذ التزاماتها إذا لم تفِ الولايات المتحدة بالتزاماتها، أو تذرعت بأعذار واهية لعدم تنفيذها.
  3. أن تقدم الولايات المتحدة ضمانات مقبولة بعدم انسحابها من أي اتفاق يتم التوصل إليه، وألا تقوم أي إدارة أميركية مستقبلية بالانسحاب من الاتفاق مرة أخرى.
  4. تعويض إيران عن الأضرار التي تكبدتها نتيجة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي السابق، والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج، وفتح القنوات المصرفية للتعامل مع إيران.
  5. أن تتولى الولايات المتحدة مسؤولية وقف تهديدات الأوروبيين بتفعيل "بند الزناد" في الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الدولية بدلًا من العقوبات الأميركية على إيران.
  6. وقف الولايات المتحدة لجميع أعمالها العدائية ضد إيران، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو سياسية أو إعلامية، مع بدء المفاوضات أو بعد التوصل إلى أي اتفاق. وفي حين قبل الجانب الأميركي ضمنيًا بهذا البند، إلا أن استمرار تهديدات الوزراء الأميركيين تجاه إيران، واستمرار الولايات المتحدة في فرض عقوبات جديدة على إيران، كان أحد الأسباب التي أدت إلى تعليق الجولة الرابعة من المفاوضات.

كان من المقرر أن يجتمع الخبراء الاقتصاديون من كلا الجانبين في الجولة الرابعة من المفاوضات لمناقشة العروض الاقتصادية الأميركية للإيرانيين مقابل مطالبهم، ولكن في اللحظات الأخيرة، أعلن الأميركيون أن فريقهم الاقتصادي غير جاهز، مما أدى إلى تأجيل هذه الجولة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بقاء ستيف ويتكوف مسؤولًا عن المفاوضات ليس أمرًا محسومًا.

وعلى العموم، فإسرائيل ليست الطرف الوحيد المنزعج من هذه المفاوضات، فهناك أطراف أخرى، أهمها الترويكا الأوروبية، التي تشعر بالاستياء من تهميش دورها في المفاوضات النووية، لإدراكها أن هذا التهميش مقصود من الجانب الأميركي، الذي يسعى إلى اتفاق حصري لنفسه، وأن تنفرد الولايات المتحدة بالكعكة الاقتصادية الإيرانية.

يرى الأوروبيون أنهم كانوا أكبر المتضررين من العقوبات الأميركية، بسبب خسارة شركاتهم لمشاريعها الاقتصادية في إيران، في حين يعتقد الأميركيون أن الأوروبيين استغلوا العقوبات الأميركية على الشركات الأميركية التي تتعامل مع إيران للاستيلاء على حصتها في الأسواق الإيرانية.

ويمكن القول بشكل عام إن الإيرانيين يفضلون تقسيم كعكتهم الاقتصادية مع دول مختلفة، وعدم قصرها على الولايات المتحدة فقط، ولكنهم عمومًا منزعجون أيضًا من الأوروبيين الذين دخلوا المفاوضات النووية كضامنين للاتفاق النووي، ولكنهم انسحبوا من الأسواق الإيرانية قبل الأميركيين أنفسهم، ولم يلتزموا بتعهداتهم تجاه إيران.

من جهة أخرى، تولي روسيا اهتمامًا كبيرًا بهذه المفاوضات، حتى إنها لعبت أحيانًا دور الوساطة بين إيران وإدارة ترامب. وفي حين أنها تفضل أن يتم الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة بالتزامن مع اتفاق روسي أميركي حول أوكرانيا، فإنها تبقى مهتمة جدًا بالحفاظ على علاقاتها الودية مع إيران، وخاصة المعاهدة طويلة الأمد التي تم توقيعها بين البلدين، وألا يؤثر أي اتفاق إيراني أميركي على العلاقات الإيرانية مع روسيا، ولهذا فهي مستعدة للعب دور الوسيط أو الضامن نوعًا ما.

أما الصين، فقد أقامت علاقات تجارية متينة مع إيران خلال السنوات الماضية، خاصة بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وهي أيضًا تنظر باهتمام بالغ إلى المفاوضات الإيرانية الأميركية، وحريصة كل الحرص على الإبقاء على دورها وحصتها في الاقتصاد الإيراني.

ولهذا السبب نرى الطرف الإيراني يبذل قصارى جهده لطمأنة الجانبين الروسي والصيني، مؤكدًا أن أي اتفاق مع الولايات المتحدة لن يؤدي إلى إضعاف علاقات إيران مع هاتين الدولتين. ويسافر وزير الخارجية الإيرانية إلى موسكو وبكين لإطلاع الحليفين الروسي والصيني على آخر التطورات في المفاوضات، بالإضافة إلى ذلك، يخطط الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لزيارة الصين قريبًا للتأكيد على أن إيران لن تتخلى عن معاهدة التعاون الإستراتيجي بين البلدين إذا ما تم التوصل إلى أي اتفاق بين إيران وأميركا.

واقترح وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي عقد اجتماع مع الترويكا الأوروبية في روما لإطلاعهم على آخر مستجدات المفاوضات، والتأكيد على أن إيران سوف تحتفظ بحصة الأوروبيين من الاقتصاد الإيراني، ولكن الأوروبيين تراجعوا في اللحظات الأخيرة عن الاجتماع، حيث كانوا ينتظرون رؤية نتيجة الجولة الرابعة من المفاوضات، التي تم تأجيلها.

ويمكن القول إن السبب وراء كل ذلك يكمن في أن الجانب الإيراني لا يثق بالجانب الأميركي، وهو يخشى من أن الأميركيين قد يتلاعبون به، ولهذا فهو لا يرغب في خسارة حلفائه الذين لا يزال يعول عليهم، ويريد الإبقاء على شعرة معاوية مع الأوروبيين على عكس ما يريده الأميركيون.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة